تابعنا على الفيس بوك تابعنا على تويتر تابعنا على اليوتيوب تابعنا على الساوند كلاود


الرئيسية السيرة الذاتية الخطب الصوتيات المرئيات المقالات و البحوث الدورات الجامعة الصور تدبر القران الإصدارات الشهادات و الدروع المشاركات و الأنشطة

 

 
جديد الفيديو
 

 
المتواجدون الآن

 
شائعة الإفك
01-10-1433 06:55 PM



شائعة الإفك


الحمدُ لله رَبِّ العالمينِ، والصلاةُ والسلامُ على المبعُوثِ رحمةً للعالمينِ، نبيّنا محمدٍ عليهِ وعلى آلهِ أفضلُ الصلاةِ وأتمُّ التسليمِ، أمَّا بَعد:

قال تعالى عن شائعة الإفك: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ [النور:15].
في هذه الآية العظيمة تصويرٌ عجيب لدقائق شأن الشائعات، وكيفية تلقّي الناس لها، وإذاعتهم لها بعد ذلك، ولعل هذا الأمر يتضّح من خلال هذا التحليل لمضمون هذه الآية الكريمة.
أولاً: مجيء كلمة ﴿إِذْ﴾ في مطلع هذه الآية؛ يشعر بلحظة تلقّي الخبر، وأنها لحظةٌ حاسمة، يختلف الناس في التعامل مع الخبر بحسب هذه اللحظة، ولذلك جاء ذكرُ توقيت تلقّي الإنسانِ للخبر في بداية هذه الآية الكريمة.

ثانياً: التعبير عن سماع الخبر بالتلقي، فقال سبحانه وتعالى: ﴿تَلَقَّوْنَهُ﴾؛ بدلاً من تسمعونه، مع أنَّ جُلَّ الشائعات يكون تلقيها عن طريق السمع، وأداة ذلك هي الأُذن كما لا يخفى، ولكن في ذكر التلقّي هنا دلالة لطيفة؛ إذ فيه إيماءٌ إلى شوق المتلقي لما يتلقّى، فكأنَّ هناك أناساً متعطشين لمثل هذه الشائعات، يبحثون عنها، ويتلقفونها، فإذا حصل لهم ما يريدون تلقوها تلقي الأهل لغائبهم، ففي التعبير بالتلقي دلالة على استعداد المتلقي وترحبيه بما سيأتي، وهذا يُنْبِئ عن مرضٍ في بعض القلوب، وخصوصاً ما كانت من الفئة الحاقدة على الدين وأهله، ولعلنا نلحظ هذا التلقي أحياناً في تلقف أخبار الأخيار، وتصيُّد أخطائهم، ونشرها وتكبيرها؛ على ما يرى الناس ويسمعون.

ثالثاً: صيغة ﴿تَلَقَّوْنَهُ﴾ مصوّرةٌ للجهد المبذول من متلقّي الخبر، فهو (تَفعّل) مثل التصبُّر، فهو عن قصدٍ من جهة، وهو يُجْهدُ من جهةٌ أخرى، وهذا من أعجب ما يكون في الإنسان؛ حيث إنَّه يصرفُ همته، ويشغلُ نفسه، ويبذلُ جهده في ملاحقة شؤون الناس، وتلقف أخبارهم، وقد يكون في هذه الصيغة دلالة على تَنقُّل الأخبار بين الناس، بل بين هذه الفئة خصوصاً، وقد جاء عند ابن كثير في تفسير هذه الآية، أو هذه الكلمة خصوصاً أن قال: "يرويه بعضكم عن بعض".

رابعاً: جاءت كلمة ﴿تَلَقَّوْنَهُ﴾ محذوفة (التاء)، والأصل (تتلقونه)، وفي هذا تصويرٌ لسرعة التلقيّ؛ بسبب تلهّف السامع لسماع الخبر والشائعة، وإذاعته لها.

خامساً: كانت عائشة -رضي الله عنها- تقرأ هذه الآية؛ كما في صحيح البخاري (إذ تَلِقُونَه بألسنتكم)، وتقول: "هو من وَلَقِ اللسان"، يعني: الكذب الذي يستمر صاحبه عليه، وعند العودة إلى مرجع هذا الضمير (الهاء) في قوله تعالى: ﴿تَلَقَّوْنَهُ﴾؛ نجده يعود على حادثة الإفك، وعلى قول الإفك المذكور قبلَ هذه الآية بآيات، والإفك كما هو معلوم هو: الكذب والبهتان، وهذا يعني تلاقي المادة مع المعنى المراد إبرازه هنا.

سادساً: قوله تعالى: ﴿بِأَلْسِنَتِكُمْ﴾، نلحظ فيه كيف كان تلقي الخبر باللسان، مع أنَّ اللسان ليس هو الأداة لتلقي الأخبار، بل الأداة المعنيّة بذلك هي الأذن، ومع هذا لم يكن النظم الجليل: إذ تلقونه بآذانكم، بل بألسنتكم، لما في ذلك من تصوير اختلال موازين التلقي عند هذه الفئة الراغبة في الشر، ونشر الشائعات المغرضة بين الناس، فكان في ذكر التلقي باللسان بيانٌ أن هذا الخبر الذي تتلهفون له، وتتلقونه تلقي الغائب؛ لم يمر من قنواته التي تضمن سلامته، أو سلامة التعامل معه؛ وهي: الأذن، ثم العقل، ثم بعد ذلك اللسان، بل إن الذي حصل هو تلقي من اللسان إلى اللسان، فما أدق هذا التصوير لحال كثير من محبّي نشر السوء.

سابعاً: مجيء هذه الكلمة مجموعة ﴿بِأَلْسِنَتِكُمْ﴾، وكذلك قوله تعالى: ﴿بِأَفْوَاهِكُم﴾، فيه ملمحٌ لكثرة الفاعلين لهذا الأمر، ولانتشار ذلك بين الناس، وإلا لقيل: إذ تلقونه باللسان، وتقولون بالفم، ويؤيد هذا إضافة ذلك إلى مخاطبين، ليكون ذلك أكثرَ حضوراً وواقعية.

ثامناً: في وقوع قوله تعالى: ﴿وَتَقُولُونَ﴾ مباشرة بعد قوله تعالى: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ﴾ دليلٌ على سرعة السعي في نشر الخبر، وعدم عرضه على محك الدين والعقل، وفي التعبير بالمضارع ﴿وَتَقُولُونَ﴾ دليلٌ على تجدد ذلك منهم في غير مرّة.

تاسعاً: في مجيء مادة القول ﴿وَتَقُولُونَ﴾، دون تنشرون، أو تذيعون مثلاً؛ للدلالة على تفوههم بهذا الخبر المنقول، وإجرائهم ذلك الخبر السيئ على ألسنتهم، وهذه خطيئة أخرى زيادة على خطيئة التلقي التي ذكرت سابقاً.

عاشراً: قوله تعالى: ﴿بِأَفْوَاهِكُم﴾ تأكيدٌ لحصول القولِ منهم، وذلك لأنَّ ذِكرَ القول يغني عن ذكر هذا القيد ﴿بِأَفْوَاهِكُم﴾؛ لأنَّه من البَدَهي أنَّ القول سيكون بالفم، وفي النص على ذلك زيادة على التأكيد المذكور لطيفة أخرى؛ وهي أنَّ المذكورَ -هنا- هو الفم، لا اللسان، فعلمنا من ذلك أن التلقي كان باللسان؛ والإخراج كان بالفم، وهذا يعني أنَّ وسيلة التلقي لم تكن هي الوسيلة المناسبة؛ ولا الصحيحة، وكذلك طريقة الإخراج، لم تكن هي الطريقة الصحيحة؛ ولا السليمة.
وقد دلّ ذكر الفم في الإخراج على أنَّ حجم الشائعة قد تضخم في نفس هذا المتلقي، حتى ما قدر اللسان الذي تلقاها على إخراجها؛ لأنه زاد فيها من مروياته، أو تحليلاته، أو كذبه، أو زوره، حتى أصبح اللسان عاجزاً عن حملها، فكان لابد أن يتآزر الفم بجميع مكوناته؛ بما فيها اللسان لحمل هذا العبء الثقيل ليخرجه مرة أخرى.
ولك أن تتأمل -أيها المؤمن بربه- حجم هذه الشائعة التي هذا وصفها، وكم سيكون تأثيرها في الناس، وهذا الأمر من التلقّي إلى الإخراج بهذا التصوير العجيب؛ هو تجسيد دقيق لواقع محبي الشر، ومتلقّي السوء، وناقليه، فاحذر أن تكون منهم.
ولعلنا نكتفي بهذه اللمحات حول هذه القضية، لأترك الباقي لنظرك وتأملك -أيها المؤمن بربه-، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.


د. عويض بن حمود العطوي
جامعة تبوك
Dr.ahha1@gmail.com

تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 1429



خدمات المحتوى


تقييم
2.40/10 (19 صوت)

Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.

Copyright © 1445 alatwi.net - All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة لموقع الدكتور عويض العطوي - يُسمح بالنشر مع ذكر المصدر.

الرئيسية |الصور |المقالات |الأخبار |الفيديو |الصوتيات |راسلنا | للأعلى

لتصفح أفضل: استخدم موزيلا فايرفوكس

 لتصفح أفضل: استخدم موزيلا فايرفوكس