تابعنا على الفيس بوك تابعنا على تويتر تابعنا على اليوتيوب تابعنا على الساوند كلاود


الرئيسية السيرة الذاتية الخطب الصوتيات المرئيات المقالات و البحوث الدورات الجامعة الصور تدبر القران الإصدارات الشهادات و الدروع المشاركات و الأنشطة

 

 
جديد الفيديو
 

 
المتواجدون الآن

 
المقالات
تدبر القرآن
عيسى عليه السلام
عيسى عليه السلام
01-10-1433 06:29 PM



عيسى عليه السلام



الحمدُ لله رَبِّ العالمينِ، والصلاةُ والسلامُ على المبعُوثِ رحمةً للعالمينِ، نبيّنا محمدٍ عليهِ وعلى آلهِ أفضلُ الصلاةِ وأتمُّ التسليمِ، أمَّا بَعد:

ستكون وقفتنا بمشيئة الله مع قول الحق تبارك وتعالى في شأن عيسى عليه السلام: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ {5} وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ {46}﴾ [آل عمران].
سنقف مع هذه الآية العظيمة التي فيها إشادة عظيمة بعيسى عليه السلام، من خلال هذه الوقفات:

أولاً: بدأت الآية بنداء مريم ﴿يَا مَرْيَمُ﴾ من قِبل الملائكة، وهذا فيه شرفٌ عظيم لأم عيسى عليه السلام، وكما هو معلوم فإن النداء يُسهم في لفت النظر لما يليه من كلام، وعادةً ما يكون الكلام الذي وراءه مهماً.

ثانياً: أن المُبشِّر لأم مريم بعيسى عليه السلام هو الله سبحانه وتعالى؛ كما في قوله: ﴿إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ﴾، وفي بدء الجملة بـ﴿إِنَّ﴾ تأكيد لمضمونها، إضافة إلى إظهار لفظ الجلالة ﴿اللّهَ﴾؛ وما فيه من القوة والمهابة.

ثالثاً: ذكر المُبشَّر به وهو ﴿بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ﴾، وبيان أنها من الله، وأنعم ببشارةٍ هذا شأنها.

رابعاً: أنَّ الذي تولى تسمية عيسى عليه السلام هو الله سبحانه وتعالى؛ حيث قال: ﴿اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾، سواء كان ذلك من الله مباشرةً، أو بأمره للملائكة الكرام.

خامساً: مجيء الحال من عيسى عليه السلام في قوله تعالى: ﴿وَجِيهاً﴾ بالاسم؛ دون أنْ يقال: من الوجهاء، لأنَّ الوجاهة خُلَّة ثابتة، فصيغت على (فعيل)؛ لأنها صيغة مبالغة مما منه الوجاهة، وقيل: هي صفةٌ مشبهة، وعلى كل حال فالصيغة محتملة، وهي دالة على أنَّ تلك الصفة مستقرة فيه؛ ثابتةٌ له، وذلك أمدَحُ له، ولتكميل أطراف المدح قيل: في الدنيا والآخرة ﴿وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾، وكونه وجيهاً في الدنيا قد يَشرِكُه فيه غيره، لكنَّ السؤدد والشرف أنْ يكون وجيهاً في الآخرة.

سادساً: جاءت الحال ﴿وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾ بالجار والمجرور؛ دون الاسم (مقرباً)، مثل: وجيهاً التي قبلها؛ لأنها الأسلوب من الفاعلين كثيرٌ في القرآن، وهو أبلغ من ذكر الموصوف منفرداً؛ لأنَّ إثبات الوصف والموصوف بعنوان كون الموصوف واحداً من جماعة ﴿وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾ تُثْبت لهم ذلك الوصف؛ أدل على شدة تمكن الوصف مما لو أُثبت للممدوح أو للموصوف وحده، وهذا التركيب كثير في القرآن، وهو يحتاج إلى بحثٍ وتتبع، وقد جاءت الحال ﴿وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾ هنا وعلى هذا المنهاج، فهو عليه السلام من جملة الذين هذا وصفهم، فيكون ذلك أكثرُ تأكيداً وطمأنةً له وثناءً عليه؛ لأنَّه يدل على رسوخه فيما وُصف به، وقد بيّن الرازي مدلول هذا التركيب ﴿وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾؛ وجعله في وجوهٍ ثلاثة:
أولها: أنَّه جعل له ذلك كالمدح العظيم للملائكة، فألحقه بمثل منازلهم ودرجاتهم بواسطة هذه الصفة.
وثانيها: أنَّ هذا الوصف كان كالتنبيه على رفعه للسماء، ومصاحبته للملائكة، فيكون معهم من المقربين.
وثالثهما: أنَّه ليس كل وجيه في الآخرة يكون مقرباً؛ لأنَّ أهل الجنة منازل كما قال الله عز وجل: ﴿وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً﴾[الواقعة:7]، ثم قال عن صنفٍ واحد منهم: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ {10} أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ {11}﴾[سورة الواقعة]، وقد جاءت الحال ﴿وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾ هنا على هذا المنهاج، وهو من جملة الذين هذا وصفهم؛ لأنَّ ذلك أكثر تأكيداً، وطمأنة له، وثناءً عليه؛ لأنَّه يدل على رسوخه فيما وُصف به، وفي هذا الوصف ﴿وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾ دلالة واضحة بمدح الله عز وجل لعيسى عليه السلام بهذه الصفة، وهي كونه من المقربين، وفيها إلماحٌ إلى رفعه إلى السماء؛ لأن الرفع نوعٌ من التقريب، وأيضاً فيه بيانٌ أنه عظيمُ المنزلة عند الله في الجنة؛ لأن أهل الجنة منازل كما قال الله عز وجل: ﴿وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً﴾[الواقعة:7]، وقال عن صنفٍ واحد منهم: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ {10} أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ {11}﴾[سورة الواقعة].

سابعاً: جاءت الحالة الثالثة ﴿وَيُكَلِّمُ النَّاسَ﴾ جملة مضارعية؛ لأنَّ الفعل يشعر بالتجدد، كما أنَّ الاسم يشعر بالثبوت، ويبدو أنَّ سر مجيء الحال هنا فعلاً مضارعاً عائدٌ إلى طبيعة المدح؛ والصفة الممدوح بها، فالكلام هنا مذكور في سياق المدح، والمضارع هو الذي ينقل الصورة الحركية المصوِّرة للواقع، والكلام بطبيعته ينقطع ثم يُنشأ حيناً بعد حين، فهو ليس في إجرائه صفةٌ ثابتةٌ مستمرة، ولا هو صفةٌ تحدث مرة؛ ثم تنتهي، فجمعاً بين هذه الخصائص جيء بالفعل الدال على الحدوث، وبصيغة المضارع خصوصاً؛ للتدليل على الاستمرار التجددي في هذا المجال.

ثامناً: هناك حالان آخران هما ﴿فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً فكأنه قيل: طفلاً وكهلاً، وما يهمنا هنا هو إيضاح مدلول الجار والمجرور في قوله تعالى: ﴿فِي الْمَهْدِ﴾ في هذا المقام، وإيثاره على الاسم؛ حيث لم يكن طفلاً أو صغيراً بدلاً من قوله: ﴿فِي الْمَهْدِ﴾، وعلى الفعل أيضاً فلم يكن: وقد كان صغيراً.
إن في ذكر الجار هنا؛ واختيارَ كونه حرف الظرفية (في) ما يكشف المعنى ويجليه أتم تجلية، حتى يكون موافقاً للمراد منه أكمل الموافقة، وذلك لأنَّ (في) تدل في أصلها على الظرفية؛ وهو هنا المهد، وفي اختياره أيضاً دون الصغر (في الصغر) يشعر بعظم المعجزة وخرقها للعادة، لأنَّ المهد هو مقر الصغير في رضاعه، وهو شبه صندوق من خشبٍ لا غطاءَ له، يمهّد فيه الصبي؛ ويوضع له فيه مضجعٌ له مدة رضاعه، يوضع له ليحفظه من السقوط، فهو دليلٌ على أن الكلام حصل ممن لا يُعهد منه الكلام عادة، ولو قيل: في الصغر لما كان ذلك مُلزماً لكونه تكلم قبل العادة، فلما كان المراد من سَوْق هذه الأحوال، وبيان شأن عيسى عليه السلام، والثناء عليه، وإعلاء أمه بما سيكون له من شأنٍ كبير؛ كان إظهار هذه الحال في صورة الجار والمجرور أعظمَ دلالةٍ على خرق العادة؛ الدال على عظيم القدرة وكبير الشأن؛ لأن الجار والمجرور يحمل دلالتين، إحداهما: مجالها الحرف، والثانية: مجالها المجرور.
قال البقاعي عن شأن هذه البشارة: "ثم أتم لها البشارة بأوصاف جعلها أحوالاً دالة على أنَّه يظهر اتصافه بها حال الولادة تحقيقاً لظهور أثر الكلمة عليه".
قوله تعالى: ﴿وَكَهْلاً﴾ فليس هناك من فائدة أنْ تذكر الظرفية فيه، فيقال: في الكهولة؛ لأنه أمرٌ معلوم واقع، ليس فيه ما يتميز به عن غيره، وإنما كان ذكره لتأكيد ما يقابله من الكلام، وأنه حصل في حالة الطفولة؛ لأنها بضدها تتميز الأشياء، فعندما ذكرت الكهولة في مقابل المهد زادت المعنى تأكيداً وإيضاحاً؛ وإبعاداً لكل احتمال، والمراد: أنَّه تكلم حال كونه في المهد، وحال كونه كهلاً، على حدٍ واحد، وصفةٍ واحدة، وذلك ولا شك غاية في المعجزة.
وقيل: بل خُصت هذه السِّن في الآية دون سائر العمر؛ لأنها الحالة الوسطى في استحكام العقل، وجودة الرأي، وفي قوله تعالى: ﴿وَكَهْلاً﴾ زيادةً على ما مضى؛ تبشيرٌ لأمه أنَّه سيعيش إلى سن الكهولة، وقيل: بل خُصَّ تكميله بهاتين الحالتين، حال كونه في المهد، وحال كونه كهلاً، مع أنَّه يتكلم فيما بين ذلك؛ لأنَّ لهاتين الحالتين مزيد اختصاص بتشريف الله إياه، فأمَّا تكليمُه الناس في المهد؛ فلأنه خارقٌ للعادة؛ إرهاصاً لنبوته، وأما تكليمه كهلاً فمرادٌ به دعوته للناس إلى الشريعة، أي كونه رسولاً.

تاسعاً: ومن الأحوال التي وردت عنه عليه السلام قوله تعالى: ﴿وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾، وهو حالٌ معطوف على ﴿وَجِيهاً﴾، ويقال فيها من حيث المعنى ما قيل في قوله تعالى: ﴿وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾، أي: وصالحاً من جملة الصالحين.
ولكن ربما نتساءل لماذا خُتمت هذه الأوصاف التي وُصفَ بها عيسى عليه السلام بهذا الوصف؟، وهي قوله تعالى: ﴿وَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾.
لعل ذلك لأنَّ الصلاح هو أعظم زينة يتزين بها المرء؛ لأنَّه لا يكون كذلك إلا ويكون في جميع الأفعال، وما يترك؛ مواظباً على النهج الأصلح؛ والطريق الأكمل، فلما ذكر الله عز وجل بعض التفاصيل؛ أردفه بهذا الكلام؛ الذي يدل على أرفع الدرجات، أَلاَ وهو الصلاح.


د. عويض العطوي
جامعة تبوك
dr.ahha1@gmail.com

تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 722



خدمات المحتوى


تقييم
5.63/10 (16 صوت)

Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.

Copyright © 1445 alatwi.net - All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة لموقع الدكتور عويض العطوي - يُسمح بالنشر مع ذكر المصدر.

الرئيسية |الصور |المقالات |الأخبار |الفيديو |الصوتيات |راسلنا | للأعلى

لتصفح أفضل: استخدم موزيلا فايرفوكس

 لتصفح أفضل: استخدم موزيلا فايرفوكس