جديد الفيديو
المتواجدون الآن
| 02-16-1433 09:55 PM
ثانيا: التحليل البياني للآيات:
(الحمد لله)، هذه إحدى السور التي تبدأ بهذه الكلمة ومثلها في ذلك سورة (الفاتحة) وسورة (الأنعام) وسورة (سبأ) وسورة (فاطر)، وقد اشتملت هذه الجملة على ما يأتي:
1- البدء بالحمد له مدلوله المشير إلى أن ما في السورة هو من النعم التي ينبغي حمد الله عليها، ومناسبة ذلك لما في السورة، أنه "لما كان إنزال القرآن على النبي أجزل نَعماء الله تعالى على عباده المؤمنين، لأنه سبب نجاتهم في حياتهم الأبدية، وسبب فوزهم في الحياة العاجلة بطيب الحياة، وانتظام الأحوال والسيادة على الناس، ونعمة على النبي بأن جعله واسطة ذلك ومبلَغه ومبينه؛ لأجل ذلك استحق الله تعالى أكمل الحمد إخباراً وإنشاءً"([1]).
2- البدء بالحمد يتناسب مع ختم سورة الإسراء قبلها بالحمد، حيث قال سبحانه: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً ﴾ [الإسراء111]، والمحمود عليه الخالق في سورة (الإسراء) هو كونه سبحانه لم يتخذ ولداً، ولم يكن له شريك في الملك، وكذلك الذي جاء في مطلع سورة (الكهف) ﴿ وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً ﴾ [الكهف4].
3- ذكر لفظ الجلالة (الله) للتعظيم وتربية المهابة في النفوس.
﴿ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ﴾ في هذه الجملة فوائد منها:
4- التعريف بالموصول (الذي) لبيان أن ما يذكر من صفات بعده هي مما يختص الله به سبحانه، ويعرّفُ به، جلت قدرته.
5- ذكر إنزال القرآن (أنزل) دليل على أن من أعظم المنن على الأمة هو إنزال هذا الكتاب.
6- تدل مادة الإنزال أن مصدر هذا الكتاب هو العلو، فهو من الله، لأنه كلامه، فهو صفة من صفاته، منزل غير مخلوق.
7- ذكر مادة العبودية مع النبي r وتعريفه بها، دليل على عظم منزلة العبودية، حيث عُرّف بها r في مقامين كريمين هذا أحدهما، والآخر في سورة (الإسراء) ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾ [الإسراء1]، يقول ابن عاشور:"وذكر النبي r بوصف العبودية لله تقريب لمنزلته، وتنويه به بما في إنزال الكتاب عليه من رفعة قدره، كما في قوله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ﴾"[الفرقان: 1]([2]).
8- إضافة العبد إليه سبحانه (بعبده) تشريف عظيم لرسول الله r وتكريم.
9- تقديم الجار والمجرور (على عبده) قبل المفعول به (الكتاب) دون أن يقال: أنزل الكتاب على عبده لبيان المنزلة بشأنه r، حيث قُدِّمَ ذكره، و ذُكر مكان الإنزال قبل تعيين المنزل، وفي هذا رد على من يقول: إن جبريل u أخطأ فنزل على محمد r، لأن هذه الكلمة بهذه الإضافة لم تكن إلا له r بدليل (أسرى بعبده) والمسرى به هو محمد r، لا غيره.
10- ذكر الكتاب هنا دون القرآن أو الفرقان مثلاً له سر يحتاج إلى طول نظر وبحث، ولم يظهر لي فيه شيء حتى الآن، حيث جاءت مادة (نزل) مع القرآن، ومع الكتاب، ومع الفرقان، وهذا بحث لطيف لمن تصدى له، ونظر فيه([3])، إلا أن يكون الكتاب جامعا بالإطلاق على أحكام صلاح العبد في حياته ليكون كتابه في يمينه جزءاً في تنفيذ بعض هذا الكتاب المطلق.
11- قوله تعالى: (ولم يجعل له عوجا) إما جملة معترضة فيها معنى الاحتراس من أن يصيب هذا الكتاب ما أصاب ما قبله من التحريف، خصوصا مع ذكر وصف الكتابة هنا، وإما تكون الجملة حالية، ويكون المراد أنه نزل غير معوج، أي أن هذه هي حاله لحظة نزوله، وبهذا تكون هذه الآية إحدى الآيات الدالة على حفظ القرآن في صور متعددة منها: نزوله.
"والمقصود من هذه الجملة المعترضة أو الحالية إبطال ما يرميه به المشركون من قولهم: افتراه، وأساطير الأولين، وقول كاهن، لأن تلك الأمور لا تخلو من عوج، قال تعالى: ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً﴾"[النساء: 82]([4]).
12- ذكر مادة العوج هنا ونفيها، لأنها تعني الانحراف وعدم الاستقامة، ومكسور العين فيها ومفتوحة سواء في المحسوسات والمعنويات، على ما اختاره المحققون([5])، "والمراد بالعِوج هنا عوج مدلولات كلامه بمخالفتها للصواب، وتناقضها، وبعدها عن الحكمة وإصابة المراد"([6]).
13- "وإنما عدي الجعل باللام دون (في)، لأن العوج المعنوي يناسبه حرف الاختصاص[اللام]، دون حرف الظرفية[في] لأن الظرفية من علائق الأجسام، وأما معنى الاختصاص فهو أعم"([7]).
﴿قَيِّماً﴾ حال أخرى من الكتاب، والقيم هو القائم على الأمور، الحافظ لها، "والمراد به هنا أنه قيم على هدي الأمة وإصلاحها، فالمراد أن كماله متعدّ بالنفع، فوزانه وزان وصفه بأنه ﴿هدى للمتقين﴾ في سورة البقرة: (2)، والجمع بين قوله: ولم يجعل له عوجاً﴾ وقوله: ﴿قيماً﴾ كالجمع بين ﴿لا ريب فيه﴾ [البقرة: 2] وبين ﴿هدى للمتقين﴾ [البقرة: 2] وليس هو تأكيداً لنفي العوج"([8]).
_______________________________________
([1]) التحرير والتنوير - (ج 8 / ص 325).
([2]) التحرير والتنوير - (ج 8 / ص 325).
([3]) ذكر ابن عاشور ما نصه :"والكتاب : القرآن . فكل مقدار منزل من القرآن فهو الكتاب" . فالمراد بالكتاب هنا ما وقع إنزاله من يوم البعثة في غار حراء إلى يوم نزول هذه السورة، ويلحق به ما ينزل بعد هذه الآية، ويزاد به مقداره"، التحرير والتنوير - (ج 8 / ص 325).
([4]) التحرير والتنوير - (ج 8 / ص 325).
([5]) التحرير والتنوير - (ج 8 / ص 325).
([6]) التحرير والتنوير - (ج 8 / ص 325).
([7]) التحرير والتنوير - (ج 8 / ص 326).
([8]) التحرير والتنوير - (ج 8 / ص 326).
|
خدمات المحتوى
| تقييم
|
|
|
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0 Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 1446 alatwi.net - All rights reserved
جميع الحقوق محفوظة لموقع الدكتور عويض العطوي - يُسمح بالنشر مع ذكر المصدر.
الرئيسية
|الصور
|المقالات
|الأخبار
|الفيديو
|الصوتيات
|راسلنا | للأعلى
لتصفح أفضل:
استخدم موزيلا فايرفوكس
|
|